responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 485
وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَثْرَةُ الْبَسَاتِينِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَنَّهُمْ وَجَدُوا مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِمَّا وَجَدَهُ أَهْلُ مَكَّةَ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ مَعَ مَزِيدِ الْعِزِّ فِي الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْوُجُوهِ وَمَعَ كَثْرَةِ الْعَدَدِ وَالْبَسْطَةِ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ جَرَى عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْكُفْرِ مَا سَمِعْتُمْ وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ الِاعْتِبَارَ وَالِانْتِبَاهَ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ وَرَقْدَةِ الْجَهَالَةِ بَقِيَ هاهنا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ إِلَّا أَنَّهُمْ هَلَكُوا إِلَّا أَنَّ هَذَا الْهَلَاكَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِمْ بَلِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ أَيْضًا قَدْ هَلَكُوا فَكَيْفَ يَحْسُنُ إِيرَادُ هَذَا الْكَلَامِ فِي مَعْرِضِ الزَّجْرِ عَنِ الْكُفْرِ مَعَ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
وَالْجَوَابُ: لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الزَّجْرَ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ بَاعُوا الدِّينَ بِالدُّنْيَا فَفَاتَهُمْ وَبَقُوا فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ بِسَبَبِ الْحِرْمَانِ عَنِ الدِّينِ. وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُشْتَرَكٍ فِيهِ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ قَالَ أَلَمْ يَرَوْا مَعَ أَنَّ الْقَوْمَ مَا كَانُوا مُقِرِّينَ بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا يُخْبِرُ عَنْهُ وَهُمْ أَيْضًا مَا شَاهَدُوا وَقَائِعَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ.
وَالْجَوَابُ: أَنْ أَقَاصِيصَ الْمُتَقَدِّمِينَ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ مَا سَمِعُوا هَذِهِ الْحِكَايَاتِ وَلِمُجَرَّدِ سَمَاعِهَا يَكْفِي فِي الِاعْتِبَارِ.
وَالسُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ إِنْشَاءِ قَرْنٍ آخَرِينَ بَعْدَهُمْ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْفَائِدَةَ هِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَتَعَاظَمُهُ أَنْ يُهْلِكَهُمْ وَيُخْلِيَ بِلَادَهُمْ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْشِئَ مَكَانَهُمْ قَوْمًا آخَرِينَ يُعَمِّرُ بِهِمْ بِلَادَهُمْ كَقَوْلِهِ وَلا يَخافُ عُقْباها
[الشَّمْسِ: 15] واللَّه أعلم.

[سورة الأنعام (6) : آية 7]
وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
اعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ يَتَمَرَّدُونَ عَنْ قَبُولِ دَعْوَةِ الْأَنْبِيَاءِ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ، فَالطَّائِفَةُ الْأُولَى الَّذِينَ بَالَغُوا فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطَلَبِ لَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا إِلَى أَنِ اسْتَغْرَقُوا فِيهَا وَاغْتَنَمُوا وِجْدَانَهَا، فَصَارَ ذَلِكَ مَانِعًا لَهُمْ عَنْ قَبُولِ دَعْوَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّه تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَيَّنَ أَنَّ لَذَّاتِ الدُّنْيَا ذَاهِبَةٌ وَعَذَابُ الْكُفْرِ بَاقٍ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَقْلِ تَحَمُّلُ الْعِقَابِ الدَّائِمِ لِأَجْلِ اللَّذَّاتِ الْمُنْقَرِضَةِ الْخَسِيسَةِ، وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، عَلَى أَنَّهَا مِنْ بَابِ السِّحْرِ لَا مِنْ بَابِ الْمُعْجِزَةِ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهَاهُنَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ لَوْ أَنَّهُمْ شَاهَدُوا نُزُولَ كِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ دُفْعَةً وَاحِدَةً عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، بَلْ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ سِحْرٌ وَمَخْرَقَةٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي قِرْطاسٍ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ الْكِتَابُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَرَأَوْهُ وَلَمَسُوهُ وَشَاهَدُوهُ عِيَانًا لَطَعَنُوا فِيهِ وَقَالُوا إِنَّهُ سِحْرٌ.
فَإِنْ قِيلَ: ظُهُورُ الْكِتَابِ وَنُزُولُهُ مِنَ السَّمَاءِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُعْجِزَاتِ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْمُعْجِزَاتِ لَمْ يَكُنْ إِنْكَارُهُمْ لِدَلَالَتِهِ عَلَى النُّبُوَّةِ مُنْكَرًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعْجِزَاتِ لِأَنَّ الْمَلِكَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْزَالِهِ مِنَ السَّمَاءِ، وَقَبْلَ الْإِيمَانِ بِصِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ لَمْ تَكُنْ عِصْمَةُ الْمَلَائِكَةِ مَعْلُومَةً، وَقَبْلَ الْإِيمَانِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 485
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست